خرمة سليمان الحمد
«ولدت الشاعرة الشعبية “خرمة بنت سليمان الحمد” في عام 1800م في أحد أزقة “#دير_الزور” أو ما كان يسمى سابقاً “#الدير_العتيق” وكان التعليم في تلك الأيام مقتصراً على علوم #القرآن الكريم وبعض مبادئ الرياضيات، ويتم تلقي العلم في الكتاتيب ما جعله حكراً على الميسورين.
وكانت الشاعرة أو “#القاصودة” “خرمة” كفيفة البصر وهي عاهة لم تولد معها إلا أن رمداً أصابها وتمت معالجته بطريقة فيها من الجهل ما أفقد الشاعرة بصرها وترك ندبة في داخلها مدى الحياة، ويروى أن العلاج كان بنصيحة سيدة كارهة لها يشاع أنها ضرتها.
ولشعر “النعي” الذي تقوله “خرمة” طقس خاص يسمى “المعادة” حيث تشكل النساء فيه دائرة يندبن فيها وينحن وتقف “القاصودة” في المنتصف لتردد شعر النعي الذي يهيج مشاعر الحزن وتحمل في الغالب دفاً معلقاً برقبتها يدق عليه إلا أن المعادة وما رافقها من طقوس اختفت منذ أكثر من نصف قرن.
وقد لاقى شعر “خرمة” رواجاً كبيراً بين الناس
ومن الجدير بالذكر أن شهرة “خرمة” كانت تدفع علية القوم من خارج “دير الزور” إلى إحضارها إلى مآتمهم بغية رثاء موتاهم ومن ذلك استدعائها لرثاء “تركي بن مهيد” حيث جاءت مجموعة من أهالي عشيرة “العنزة” عند وفاة “تركي بن مهيد” أحد شيوخها بغية اصطحاب “خرمة” معهم لترثيه بما يستحق فقالت:
“سيوف الماحمت “تركي”/ مناجل سوس سووها
رماح الماحمت “تركي”/ جوا الجدر وزوها
رجال الماحمت “تركي”/ مع النسوان اجعدوها”.
“الماحمت: التي لم تحم، جوا: أسفل، اجعدوها: أجلسوها”.
ما قالته “خرمة” كان كفيلاً بإثارة رجال القبيلة الذين هب بعضهم للأخذ بالثأر لولا تدخل أحد الشيوخ الذي أوقف “خرمة” عن المتابعة وهدأ الأمور».
وحول الأشخاص الذي رثتهم “خرمة” وبعض مما تناقله الناس من شعرها الذي لا يزال حياً رغم اندثار “المعادة” سألنا السيدة “يسرى قدور” التي أفادتنا بالقول: «رثت “خرمة” نفسها كما رثت أخاها وأباها وابن أخيها وبعض أبناء المدينة الذين كانت تدعى لعزائهم، ولكن أكثر شعرها كان في رثاء ابنها “رزوق” الذي توفي
شاباً فظلت ترثيه حتى بعد أن تجاوزت مئة عام:
“حلو رزوق لو جاني يتمشى/ شك بحزامو ساعة وممشه
يا يما شجا على عينو وتغشى/ على الروحو عزيزة ينام بالتربان”.
ولها قصيدة أخرى في رثاء ولدها “رزوق”، تقول في مقدمتها:
“شوشحن بردانجن يامسعدات/ التجينا لاتكول الحلو مات
وش علقوا عالخيل من حنطة وشعير/ وموردين الخيل من مي الغدير
وش علقوا عالخيل من حنطة وذرة/ وموردين الخيل من مي الفرا
ياحيف يا رزوق متوسد البلا/ ياحزن قلبي والأوادم عاديات”.
وتناشد “خرمة” باب الدار والصائغ في رثاء الأحبة بالقول:
“يا باب الحوش لا تغبر دلافيهم/ وصدر البيت علكنا حساويهم
أنا لاعاتب الصايغ وأكللو:/ يصايغ ليش ما تفضض رداينهم”.
“دلافيهم: ثيابهم، وأكللو: أقول له”.
وحينما توفي أبناء أخيها قالت:
“يا سباع الغربت عالزيزفون/ يا بنات ميتمة أيمت تجون
يا سباع غربت وأحجي يثرها/ يا ويلاد ميتمة وتريد أهلها”.
“الغربت: اتخذت الغرب وجهة لها، تجون: تأتون، يا ويلاد: يا أولاد”.
وعن وفاتها «لقد بلغت “خرمة من العمر عتياً فعاشت قرناً وعقداً ولفظت آخر أنفاسها في عام 1910م، وأصبحت مآتم النساء في
“دير الزور” عالة عليها إذ لم نجد “قاصودة” مبدعة تقول الشعر وتنظم القصائد بل أصبحنا نرى نساءً يقلن ويرددن شعرها».